قوتك في قول شيء: كيف تتقن فن الخطاب

by محمد جواد
0 comment
A+A-
Reset

 

السحر الخفي في الخطابة

ربما كنت تستمع لشخصية بارزة في يوم من الأيام، تخطب في جمهور غفير أو في بيان على التلفاز، وتساءلت: ما السحر البلاغي خلف هذا الإلقاء؟ لمَ أشعر بالانجذاب لأن أوافق على ما قيل في هذه الكلمة؟ وكيف يمكنني قول كلام مؤثر كهذا؟ لا شك أن المتحدثين البارزين ينتهجون طرقًا وأساليب متعددة في إلقائهم لخطبهم، إلا أننا لحسن الحظ نعرف سرًا من أسرارهم جعل مهارتهم بهذا التأثير البلاغي القوي. سأشاركك في هذا المقال سرًا يزيد من رصانة حديثك وكتاباتك، جرّبه وقرر ما إذا زادت قوتك الإقناعية.

تعد مهارات الاتصال ركيزة أساسية في شخصيات القادة. فأن تحسن إيصال رسائلك لمستمع أو قارئ وتقنعه بموقفك، تلك قوة تصبّ في صالحك مهما كانت غاياتك، ودون مهارات اتصال، يشوبُ تأثيرك ضعفٌ وركاكة. لا تستطيع الاستهانة بقدرة فرد يحسن صياغة رسائله، ويقنعك إقناعًا جيدًا. فقد تحدثت سابقًا في مقال ذرّي في تطبيق X (سابقا تويتر Twitter) عن هذه المسألة بالتحديد.

 

 

مخاطبة العقل وملامسة العواطف بِسُلطة المكانة

لم يزل خطباء القرن الواحد والعشرين في عصرنا هذا، يلتزمون بوصايا أرسطوطاليس في الخطابة. فيبدو أن أسلوب الإقناع للجماهير لم يتغيّر منذ ٣٥٠ سنة قبل الميلاد حتى اليوم. كتب أرسطو (Aristotle) في كتابه عن الخطابة (On Rhetoric) بشأن ما يسمى بالنداءات الثلاثة، وتسمى أيضًا طرق الإقناع (Modes of Persuasion). تعرف بمفراداتها اليونانية التي برزت اصطلاحاتها في نص أرسطو، وهي:

 

  • المشاعر Pathos
  • السلطة Ethos
  • العقل Logos

 

اقرأ تفاصيل الطرق الثلاث التي يمكنك استخدامها في حديثك أو كتاباتك لتزيد من قوة الإقناع:

 

المشاعر Pathos 🫀

تعني مفردة (Pathos) في الإغريقية القديمة: تجربة (Experience) وتعني أيضًا: معاناة (Suffering). حيث اشتُقت من (Pathos) المفردتان تعاطف (Empathy) ومثير للشفقة (Pathetic). ذلك الاشتقاق يشير للمفهوم الذي يعني: العاطفة والمشاعر في الخطاب الملفوظ أو المكتوب. تُعرف المشاعر (Pathos) بقدرتها على ملامسة الجانب العاطفي عند المستمع أو القارئ.

تتعدد الطرق التي قد تستخدمها لبناء الروابط مع المستمع أو القارئ، إلا أن الأمثلة الأكثر نجاعة تظهر في معرفة استخدام النغمة المناسبة المحفزة لعاطفة ما، سواء كانت غضبًا أو فرحًا أو مساندة. يتفنن رواد فن الخطابة في استخداماتهم للمشاعر (Pathos)، مثل تلك الإيماءات غير اللفظية (Non-Verbal) التي تتضمن معانٍ غير منطوقة، أو في حال الكتابة أن يؤكَّد على التوافق القيمي بين الكاتب وقرّاء النص المكتوب.

 

السُلْطة Ethos 🚓 🚨

تعني مفردة (Ethos) في الأغريقية القديمة: شخصية (Character)، وتشتق منها مفردة (Ethics) باللغة الإنجليزية أي: الأخلاق. إلا أن استخدامها في أساليب الإقناع يُعنى بالسمة الأخلاقية في خطابك، ويجوز لنا أن نقرّب المعنى في تعريف (Ethos) بأن نستخدم مصطلحيّ مؤهل أو موضع ثقة، حيث هو المعنى الأقرب لقولنا (Authority)، أي شخص ذو سلطة قد تكون معرفية. والغرض الأساسي في وجود السلطة هو تضمين المشروعية فيما تقدم من طرحك في الكتابة، أو ما يظهر من شخصيتك أمام الملأ في الخطابة. باختصار وجود عنصر (Ethos) في خطابك هو الإجابة على سؤال: لمَ يجب علينا أن نستمع إليك؟

يمكنك استخدام السلطة في خطابك من خلال تبيين معرفتك العميقة فيما تقدم. فاستخدام لغة محكمة متناسبة مع المستمع أو القارئ، بالحفاظ على سلامة اللفظ وبلاغة مؤثرة، يضفي إلى سلطتك الخطابية. لهذا السبب يُعرّف المتحدث قبل إلقاءه للكلمة بمسمياته الوظيفية أو مكانته الأكاديمية، أو الكاتب بأعماله السابقة ومبيعاتها المتصدرة، كل ذلك يصبّ في سلطة مايقال.

 

العقل Logos 🧠

تعني مفردة (Logos) في الإغريقية القديمة: كلمة (Word)، وتشتق منها مفردة (Logic) باللغة الإنجليزية، أي: المنطق. يُستخدم عنصر (Logos) في أساليب الإقناع حينما يحاكي الخطاب الموجّه للمستمع أو القارئ جانبه العقلي، باستخدام المقاربة المنطقية للحديث أو المفردات العقلانية.

يمكن مخاطبة القارئ من جانب عقليّ عبر ذكر حقائق مثبتة أو تأريخ موّثق لا جدل في صحته، أو عبر توظيف الاحصاءات والأرقام الصحيحة للاستشهاد بموقف معيّن. يميل المتحدث العقلاني لمخاطبة الجانب الجاد في مستمعيه، ولمراعاة اللغة المستخدمة التي تهدف لتحفيز الحس النقدي وتدعو القارئ للتفكير. دائمًا ما تنجح الأرقام والإحصائيات في إضفاء عقلانية ومنطقية في خطاب ما، فقد يخطئ الكلام ولكن الأرقام لا تكذب، على حد التعبير الشائع.

 

 

أن تضع في الحسبان العناصر الخفية في قوة رسائلك، هو ما يعلي من شأن ما تُقدم. ما سمّاه أرسطو طرق الإقناع (Modes of Persuasion)، ماهو إلا إطار تطبيقي واحد، وتوجد غيره العديد من التطبيقات الأخرى التي يمكن تجربتها لتقوية خطابك المسموع أو المكتوب.

 


يسعدني مشاركة حلقة جديدة من مدونتي الصوتية مِراس، والتي كانت بعنوان «ماذا تفعل حينما لا تعرف ما العمل؟».

اسمعها على:

Apple Podcasts

YouTube

Spotify


إذا أعجبك هذا المقال اقرأ عدد نشرتي البريدية الأخير: المحتوى المتسخ: كيف تجذب فيديوهات تنظيف السجّاد مشاهدات مليونية والذي بحث في حكايات غسيل عادية جذبت انتباه المتابعين


حقوق الصورة البارزة: Freepik – user11878095


 

قد يعجبك الآتي

Leave a Comment