الأوصاف الثخينة والرشيقة: ميزان التفاصيل في الكتابة

by محمد جواد
0 comments
A+A-
Reset
content-writer-thinking.jpg

إن بحثت في المكتبات عن مؤلفات تشرح التأليف نفسه، ستجد عددًا لا بأس به من الكتب التي تتناول أساليب الكتابة، بدءًا من الرواية وسرد القصص وإلى كتابة الأوراق العلمية. إلا أن هنالك عنصرًا أساسيًا في الكتابة يوجد في كل أصناف التأليف والعبير النصّي، ألا وهو الوصف.

 

الصفة وخدمة المعنى

يُعد الوصف في الكتابة من أكثر السبل الناجعة في رسم صورة في ذهن المتلقي، وخدمته في الفهم أبعد مما تستطيع الكلمة المجردة أن توصل من معنى. فلقد استخدم القدماء الأوصاف في روايتهم للقصص في محاولة لخدمة مبتغاهم، ولغياب الصورة وغياب قدرتها على إيصال ما يريد أن يقوله المتحدث. يقال في المثل: «الصورة عن ألف كلمة»، مبيّنًا قدرة الصورة على خدمة التفاصيل في توصيلها ونقلها بإيجاز واقتضاب. وفق المعجم الغني، يمكن تعريف الصِّفَة في اللغة بأنها «الكلمة التي تدلُّ على معنى يضاف إلى الاسم للدلالة على حالة له». ويعرّف معجم اللغة العربية المعاصرة الوصيفة بأنها الخادمة التي ترافق سيِّدة وتتقيِّد برفقتها وتجالسها وتؤانسها.

 

فهل ترافق الصفات المتلقي وتخدم فهمه؟

 

كتب الأنثروبولوجي كليفورد جيرتز (Clifford Geertz) في كتابه تأويل الثقافات عن الأوصاف الثخينة والأوصاف الرشيقة (Thick Description & Thin Description). يرى جيرتز في كتابه أن الثقافة لا تقود السلوك، بل هي شبكة من الرموز التي يمكن أن تساعدنا على فهم أفضل لما يعنيه هذا السلوك. تكون اللغة في استخداماتها اليومية إحدى تلك الرموز بطبيعة الحال. وفق الجانب الأنثروبولوجي للمفهوم «علم الإنسان»، يمكن التفريق بين الوصفين كما يلي:

 

  • الوصف الثخين (Thick Description): هو مصطلح يُستخدم في الأنثروبولوجيا للإشارة إلى أسلوب مفصل وتحليل غني في وصف الظواهر الثقافية. يركز هذا الوصف على تحليل عميق للسياق الثقافي المحيط بالظاهرة المدروسة، بما في ذلك العادات والمعتقدات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية.

 

  • الوصف الرشيق (Thin Description): هو الوصف الأدق والأقل تفصيلاً للظواهر الثقافية. قد يكون أقل استيعابًا للسياق الثقافي ويغفل التفاصيل الدقيقة التي قد تكون مهمة في فهم الظاهرة بشكل كامل.

 

استخدم جيرتز لتوضيح الوصف الثخين مثال الغمزة بالعين. فيمكن تأويل الغمزة على أنها تشنج في جفن العين، علامة تواطؤ للخديعة، أو إشارة لمزحة وسخرية، أو غير ذلك من تأويلات لهذه الإيماءة الاجتماعية. يشرح هذا النوع من الوصف سياق التعبير اللفظي وغير اللفظي وعلاقتهما بالرموز الثقافية.

 

 

كاتبٌ يزن أوراقه

كاتبٌ يزن أوراقه. الصورة موّلدة من قبل الذكاء الاصطناعي

الوصف في كتابة المحتوى

حين يعمل الكاتب الإعلاني في صياغة إعلان لصحن مأكولات على سبيل المثال، سيضع في اعتباره المتلقي النهائي واستقباله لذلك الإعلان. يمكن أن تكون أوصاف النص الإعلاني موجّهة لربة منزل، أو شاب يبحث عن أواني طهيٍ لرحلة بريّة، أو لمطبخ تجاري يحتاج ذلك المنتج لغرض البيع. أستعين بمفهوم أنثروبولوجي في هذا المقال في محاولة لنظرة مختلفة للوصف في الكتابة الإعلانية وكتابة المحتوى. يمكن توظيف مفهوم كليفورد جيرتز (Clifford Geertz) في كتابة المحتوى على شبكة الإنترنت، باعتبار أن الإعلان هو جزء من الرموز الثقافية التي تُمرّر على شاشاتنا كل يوم. في الحقيقة أننا نستخدم ثخانة الوصف دون أن ندعو لاستخدامه؛ حينما يطلب مالك المشروع صياغة إعلانه بمفردات بلكنة محلية على سبيل المثال. يمكن أن تكتب الأوصاف لمنتج معيّن باستعراض صفاتٍ رشيقة أو باستعراض صفاتٍ ثخينة. يظهر استخدام الوصف الثخين أيضًا في الكتابة الإعلانية في الأعياد الوطنية، والترويج للفلكلور الشعبي، وتسويق المدن الحضرية، بتوظيف مفردات لكنة محلية تلازم اللغة المحكية لسكّان تلك المدينة.

 

باستخدامك للوصف الثخين في الكتابة الإعلانية، ستبني اتصالًا أعمق مع قارئك. في نهاية المطاف، تتضمن الكتابة الإعلانية انفتاحًا على استجابة المستهلك المتغيرة باستمرار، لذلك يُنصح بالتنويع في استخدام الطرق المختلفة للتعبير، وتبقى التجربة هي الفيصل ما بين الكاتب وقارئه.

 


إذا أعجبك هذا المقال اقرأ عدد نشرتي البريدية الأخير: ستعمل عندما تعرف ما يكفي، لا أن تعرف كل ما هنالك والذي تناول ورقة بحثية بعنوان: «الفضول والدافع للتعلم.»


حقوق الصورة البارزة: eamesbot – Freepik


 

قد يعجبك الآتي

Leave a Comment